تعد قضيه توفير فرص عمل لتشغيل الشباب من أهم القضايا التي تحظى باهتمام حكومات الدول المختلفة, سواء المتقدمة أو النامية, والتي تسعي جاهدة لإيجاد حلول لها من خلال إعداد خطط طويلة وقصيرة الأجل لمواجهه مشكله البطالة, وذلك من منطلق إدراك واع لخطورتها وآثارها السلبية علي المجتمع, فالشباب عده الحاضر أمل المستقبل, وطاقات وقدرات الشباب هي القادرة علي صنع المعجزات, وبلوغ الآمال المنشودة في نهضة وتقدم الدول.
لهذا فان الحكومة كما جاء في بيان رئيس مجلس الوزراء أمام مجلس الشعب, إنما تبذل جهودا كبيره من اجل أيجاد فرص عمل لتشغيل الشباب, وكذا الاهتمام بالشباب تعليما وتأهيلا عبر مراحل التعليم المختلفة, وتعتبر النهوض بالتعليم هو المشروع القومي للامه, من اجل مواجهه المتغيرات العالمية المتسارعة والمتلاحقة, فهي ترصد من الأموال للإنفاق علي التعليم الكثير, من منظور أن التعليم إنفاق استثماري له عائد كبير في حجم موازنة التعليم, إلى جانب الاهتمام بالأبعاد الأخرى المتصلة بتلك القضية, والمتمثلة في السعي الدائم إلى تطوير المناهج التعليمية, وتحديث أساليب وطرق التدريس, والعناية بالمعلم, والتوجه نحو تعميم استخدام الأساليب الحديثة لتكنولوجيا التعليم, وتشير الإحصاءات إلى أن المؤسسات التعليمية في مصر تقدم سنويا أعدادا تتراوح مابين80 ألفا إلى مليون من خريجي مراحل التعليم المختلفة, وهؤلاء الخريجون هم الكوادر البشرية الداخلة إلى سوق العمل من الراغبين فيه والقادرين عليه والمؤهلين له والباحثين عنه, وتلك الطوائف من الشباب ذكورا وإناثا طاقات بشريه هادر تفرض الضرورة توفير فرص عمل منتجه لهم لاستثمار طاقاتهم في خدمه المجتمع.
ولقد تأكد بصوره قاطعه أن الجهاز الإداري للدوله.. لم يعد يستطيع استيعاب عماله جديده من تلك الأعداد الوفيرة من الخريجين.. إلا بقدر احتياجاته الضرورية فقط, حتى لا تتسع دائرة البطالة المقنعة في وحداته الاداريه, لاسيما وان الجهاز الحكومي يعاني حاليا من تضخم شديد في حجم العمالة التي بلغت قرابه5,5 مليون موظف, وبما يشكل نسبه8% من حجم السكان في مصر, ونحو ثلث قوه العمل, وهي نسبه مرتفعه قياسا لما هو قائم في كثير من الدول التي تتشابه كثافتها السكانية مع مصر, فضلا عن تحمل الدولة سنويا40 مليار جنيه أجورا للعاملين, والتي تمثل نحو30% من حجم الموازن العامة للدوله.
لذلك فقد بات ضروريا توجيه الشباب إلى البحث عن فرص عمل بالقطاع الخاص, كما اصبح من المحتم قيام هذا القطاع بدوره للإسهام بفاعليه اكبر في توفير مزيد من فرص العمل الجديدة, في ظل الاهتمام الكبير الذي أولته الدولة لهذا القطاع للمشاركة في التنمية الاقتصادية والاجتماعية, ودعم الحكومة المستمر للاستثمار وتشجيع المستثمرين, وتهيئه مناخ ملائم لجذب الاستثمارات وإقامة المشروعات الاستثمارية المختلفة.
ونظرا إلى أن أسواق العمل الخاص تتطلب من الخريجين مواصفات وخصائص ومهارات قد لا تتوافر في نسبه كبيره من الخريجين.. فانه يتعين علي شباب الخريجين السعي الجاد من اجل اكتساب المهارات والتزود بالمعارف والمعلومات المطلوبة للعمل بالمشروعات التي يديرها القطاع الخاص, والتي تتطلب نوعيه من الكوادر البشرية القادرة علي التعامل مع مقتضيات ومتطلبات العصر الجديد.. عصر التقدم العلمي والثورة التكنولوجية الهائلة, وعصر ثوره المعلومات والاتصالات, والانتشار الواسع في استخدام الحاسبات الاليه وشبكات المعلومات الدوليه.. وتلك هي الركائز الاساسيه للتكيف مع العصر الجديد بمتغيراته المتلاحقه, وبما يشهده عالم اليوم من انتهاج انظمه الاقتصاد الحر, واعمال اليات السوق, والتوجه نحو تحرير التجاره الدوليه وفتح الأسواق علي مصراعيها, والتحول من الملكية العامة إلى الملكية الخاصة, واشتداد المنافسة الشريفة في دوائر الأعمال. كل ذلك يفرض علي شباب المستقبل من الخريجين العمل بجديه من اجل تنميه قدراتهم ومعارفهم في مجالات تعلم اللغات الأجنبية خاصة في مجالات المعاملات الاداريه والتجارية, ومهارات التعامل مع الحاسبات الاليه وفهم نظم وبرامج تشغيلها, وكيفيه استخدامها, والقدره علي استخدام شبكه المعلومات الدولية الإنترنت للحصول علي من خلالها علي جميع البيانات والمعلومات اللازمة في إدارة الأعمال.
والواقع أن الفرصة سانحة أمام شبان الخريجين للاستفادة من الجهود المبذولة من جانب الدولة في سبيل تدريب وتأهيل الشباب للعمل بمشروعات القطاع الخاص.. ويتطلب الأمر لانجاح تلك الجهود ضروره زيادة اهتمام وزارات الدولة وأجهزتها المختلفة بمراكز التدريب الاداريه والفنيه التابعة لها والمنتشرة بجميع المحافظات, وتجهيزها وامدادها بالمقومات الاساسيه للقيام بالعملية التدريبه, والعمل علي تطوير البرامج والمقررات التدريبية وتحديثها بما تتطلبها أسواق العمل, والإعلان بصفة مستمرة عن تلك البرامج وتوقيتاتها, كذلك ينبغي علي جميع الجامعات خاصة الجامعات الاقليميه أن يكون لها دور بارز في مجال إعداد وتأهيل شباب الخريجين للعمل بمشروعات القطاع الخاص, كما يساند ذلك أيضا ويعضده جهود الجمعيات الاهليه والمنظمات غير الحكومية في هذا المجال.
ولعل الدور الرائد والمتميز الذي تقوم به جمعيه جيل المستقبل التي تتولى الأعداد الجيد لشباب الخريجين.. إنما تمثل نموذجا رائعا لما ينبغي أن تقوم به جميع الاجهزه الحكوميه والجامعات والمنظمات غير الحكوميه في إعداد وتأهيل شباب الخريجين لمواجهه مناخ جديد تسود فيه متغيرات اقتصاديه واجتماعيه وتكنولوجيه متلاحقه, مما يتطلب معه ضروره الأعداد والتاهيل الجيد لشباب المستقبل لكي يكونوا قادرين علي مواكبه متغيرات هذا العصر وتحدياته.
"جريدة الأهرام"