الوجه الثالث: التحريف الواضح المقصود في النقل عن العهد القديم:
من يراجع النص المذكور سابقاً من العهد القديم، يتأكد له التحريف وعدم صدق النقل. كما يؤكد استمرار التحريف المقصود: ما زعمَ القمُّص[13] زكريا بطرس في موقع إنترنت تنصيري آخر:
" أقول لك هذه الآيات القرآنية، أليست هي: سورة المؤمنون 12 ـ 14 "ولقد خلقنا الإنسان من سلالة من طين" ، ثم جعلناه نطفة (المني أي الحيوان المنوي) في قرار مكين، ثم خلقنا النطفة علقة (قطعة الدم التي يتكون منها الجنين) فخلقنا العلقة مضغة (قطعة من اللحم) فخلقنا المضغة عظما فكسونا العظم لحما ثم أنشأناه خلقا آخر..." وسورة النحل 4 "خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين" " وسورة الحج 5 "... فإنا خلقناكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة مُخَلَّقَةٍ لنبين لكم، ونُقر في الأرحام ما نشاء، إلى أجل مسمى، ثم نخرجكم طفلا، ثم لتبلغوا أشُدَّكُم.." وسورة القيامة37 "ألم يك نطفة من مًنِيِّ يُمنَى" والواقع يا عزيزي أن القرآن ليس أول من ذكر أطوار خلقة الإنسان، وإليك الحقيقة:
من الكتاب المقدس: (في سفر أيوب 1 / 8ـ12) "يداك كونتاني وصنعتاني كلي... إنك جبلتني كالطين... ألم تَصُبَّني كاللبن (السائل المنوي)، وخثرتني كالجبن (أي صار كياني مثل قطعة الجبن)، كسوتني جلدا ولحما، فنسجتني بعظام وعصب، منحتني حياة ورحمة، وحفظت عنايتك روحي". {كتب سفر أيوب بما يزيد عن (2000) سنة قبل الميلاد أي قبل الإسلام بما يزيد عن 2600 سنة}
(مزمور 139/ 13ـ16) "... نسجتني في بطن أمي، أحمدك لأنك صنعتني بإعجازك المدهش، لم تختفِ عنك عظامي حينما صنعتُ في الرحم، أبدعتني هناك في الخفاء رأتني عيناك عَلَقَةً وجنينا وقبل أن تخلق أعضائي كُتِبَتْ في سفرك يوم تصورتها" {كتبت المزامير بما يزيد عن 500 سنة قبل الميلاد أي قبل الإسلام بما يزيد عن 1100 سنة}..
ألا ترى معي أن الإسلام لم يأت بجديد، بل أخذ عن الكتاب المقدس ما قاله قبل القرآن بما يزيد عن 2600 سنة ؟؟!! ".
الجواب:
قام القمص زكريا بطرس بتحريف في النصوص الذي استشهد بها، وحتى تتكون نظرة متكاملة للموضوع، سيتم نقل النص من العهد القديم:
أولاً: سفر أيوب [10/8-13]: يزعمون أن أيوب أخذ يعاتب ربه (!!) بما يلي:
" (8) قد كوَّنتني يداك وصنعتاني بجُمْلتي، والآن التفتَّ إليَّ لتسحقني! (9) اذكر أنك جبلتني من طين، أترجعني بعد إلى التراب؟ (10) ألم تصبني كاللبن، وخثرتني كالجبن؟ (11) كسوتني جلداً ولحماً، فنسجتني بعظام وعصب (12) منحتني حياة ورحمة، وحفظت عنايَتُك روحي (13) لكنك كتمت هذه في قلبك ".
بربط النص الصحيح من سفر أيوب بما سبق بيانه في الوجه الأول من نقد الشبهة، يتبين المقصود بعبارة " التخثير كالجبن "، وعلاقتها بنظرية " الجنين القزم ".
أي: دم الحيض سائل، وحين يلتقي به الحيوان المنوي يخثِّره كما تخثِّر الإنفحةُ الحليبَ (اللبن) فتجعله جبناً.
وكما أن المادة الرئيسة في تكوين الجبن هي الحليب (اللبن)، وما الإنفحة إلا كعاملٍ مساعدٍ في التخثير. فإن الحيوان المنوي ـ بحسب تلك النظرية المغلوطة ـ ليس له إلا دَور ثانوي في تكوين الجنين.
لكن الحق المجمع عليه أن لكل من الحيوان المنوي والبويضة دور مشيج (خليط) في تكوُّن الجنين، فكل منهما يحمل ثلاثة وعشرين زوجاً من الصبغيات (الكروموسومات)، بل للحيوان المنوي الدور الرئيس في تحديد جنس الجنين.[14]
وحين تسأل علماء أهل الكتاب عن تفسير عبارة " التخثير كالجبن " الواردة في سفر أيوب، تجد كتاب " التفسير التطبيقي للكتاب المقدس " ملتزماً الصمت !
بينما جاء في موسوعة " ينبوع الحياة " تحت عنوان : " خثر " ما يلي:
" الكلمة بالعبرية: קָפַּא : جَعْلُ السائلِ جامداً ".
وأكدت ذلك " دائرة المعارف الكتابية " تحت مادة " خثر " : " خثر اللبن خثرًا وخثورًا: غلظ. وتضاف خميرة المنفحة إلى اللبن؛ ليتخثر وليصنع منه الجبن. ويقول أيوب:" ألم تصبني كاللبن وخثرتني كالجبن ؟ " ".
ثانياً: المزامير [139/13-16]: يزعمون أن داود أخذ يناجي ربه بما يلي:
" (13) لأنك أنت اقتنيت كليتيّ، نسجتني في بطن أمي (14) أحمدك من أجل أني قد امتزت عجباً، عجيبة هي أعمالك ونفسي تعرف ذلك يقيناً (15) لم تختف عنك عظامي حينما صنعت في الخفاء ورقمت في أعماق الأرض (16) رأت عيناك أعضائي وفي سفرك كلها كتبت يوم تصورت إذ لم يكن واحد منها ".[15]
أين: " صنعتني بإعجازك المدهش " ؟ و " الرحم " ؟ و " علقة " ؟ و " جنيناً " ؟
لقد قام بذلك التحريف؛ ليصرف الانتباه عن اتفاق النص المذكور أولاً (من سفر أيوب)، مع الفكرة المغلوطة حول الجنين القزم.
خاتمة البحث:
كلام البشر يعتريه النقص والخلل، فهو مبني على تجارب الناس وعلومهم، وفي هذه الدراسة مثال على الفرق بين الكلام الإلهي المحكم الذي لا يأتيه الباطل من لدن عليمٍ حكيم، وبين كلام البشر الذي يعتريه ما يعتري البشر من نقص في العلم.
كما تثبِت أنه لا كتاب كاملٌ سوى القرآن الكريم، كلام الله المعجز الذي لا يأتيه الباطل، بعكس ما سواه من الكتب التي تدخلت يد الناس لإصلاح أخطائها.
كيف لا ؟ والحق : " أنه لا يكتب إنسان كتابه في يومِه، إلا قال في غدِه: لو غيِّر هذا لكان أحسن، ولو زِيدَ لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو ترِك هذا لكان أجمل. وهذا من أعظم العِبَر، وهو دليل على استيلاء النقص على جُلة البشر".[16]
وفي الختام:
نصيحة توجه لمن يلجأ إلى المغالطة والتحريف في كتبه المقدسة؛ ليستر عورتها وليقينه بضعفها:
أنتم أحرار في نظرتكم إلى كتبكم والتعديل عليها وفق أهوائكم، لكن ابتعدوا عن توجيه سهامكم نحو القرآن الكريم؛ حرصاً عليكم لأنها سترتد إليكم يقيناً.
وصدق الله العظيم في وصفهم: (وَدَّتْ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يُضِلُّونَكُم وَمَا يُضِلُّونَ إِلَّا أَنْفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ) [آل عمران: 69].
وَلِلَّهِ في كُلِّ تَحريكَةٍ عَلَينا وَتَسكينَةٍ شاهِدُ"
وَفي كُلِّ شَيءٍ لَهُ آيَةٌ تَدُلُّ عَلى أَنَّهُ واحِدُ [17]
(وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ" مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ..) [الحج: 54].